الحديث الغريب وغريب الحديث – رسول
من المصطلحات السائدة بين أهل العلم مصطح “الحديث الغريب” و”غريب الحديث” مما يظن بعض الناس أنهما مترادفين من حيث يمكن وضع أحدهما مكان الآخر، وليس الأمر كذلك، فعلم “الحديث الغريب” علم خاص بأهل العلم بالحديث ولا دخل لغيرهم في البحث والكلام فيه، وأما علم “غريب الحديث” مجاله في غريب الألفاظ التى هي مرحلة ثانوية عند المحدثين يشارك فيه غيرهم وخاصة أهل العلم بالعربية.
مفهوم الحديث الغريب
هو ما يُتفرد بروايته، ويتصل به عدد كثير من أنواع الغرابة، كغرابة مطلقة وغرابة نسبية بأنواعها، بمعنى أن الغرابة قد تقع في السند والمتن معا أو في السند فقط، ويعبر بالغريب باسم الفرد أيضا، ولزيادة التوضيح اليسير تحسن الإشارة إليه من حيث التقسيم الآتي:
متنا وإسنادا : هو الحديث الذى انفرد بروايته صحابى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يتفرد تابعي بروايته عن ذلك الصحابي ويصبح الحديث معروفا بهذا السند الفرد، كما هو حال أول حديث في صحيح البخاري ” إنما الأعمال بالنيات”[1] وآخر حديث فيه ” كلمتان حبيبتان إلى الرحمن..”[2] ويدل على هذا النوع قول الترمذي: “رب حديث يكون غريبا لا يروى إلا من وجه واحد”[3] هو الذى سماه الحافظ ابن حجر بالغريب المطلق.
إسنادا لا متنا: هو الحديث مروي بطرق متعددة ثم ينفرد أحد الرواة بروايته عن طريق شيخه، كحديث ” الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في مِعًى واحد”[4] ومتنه مشهور في مرويات الصحابة الآخرين، ثم تفرد به أبو كريب محمد بن علاء عن أبى أسامة بسنده إلى أبى موسى الأشعرى.
وسمى الحافظ ابن حجر هذا النوع بالنسبي، ودل عليه قول الترمذي “ورب حديث يروى من أوجه كثيرة وإنما يستغرب لحال الإسناد” [5]
الغريب بالنسبة إلى البلد، هو الذى يعبر عنه بتفرد بلد بحديث معين، أو بلطائف الإسناد كأن يكون رجال السند كلهم مدنيين أو بصريين مثلا، وقد ألف أبو داود مصنفا أسماه ” التفرد ” أورد فيه السنن التى تفرد بها كل أهل بلد. كحديث أهل مدينة ومكة وبصرة.
الغريب والفرد متردفان تقريبا عند المحدثين، ولكن إذا قالوا: هذا حديث فرد يقصدون به غالبا الفرد المطلق الذى بمعنى الغريب المطلق، وهكذا جرى عرفهم في اطلاق التفرد على الغريب المطلق، خلافا لكلمة الغريب فإنه يعنون به في الغالب الغريب النسبي على حد قول الحافظ ابن حجر.
وللغريب علاقة بمسألة زيادة الثقة، حيث يتفرد راوى بزيادة في الحديث دون غيره من الرواة، وهو الذى يعنى الترمذي بقوله: ورب حديث إنما يستغرب لزياده تكون فى الحديث”[6]
حكم الحديث الغريب
يخضع لمعيار شروط قبول الحديث، وما توفرت فيه الشروط قبل وإلا فلا، كشأن بقية خبر الآحاد، لكن المحدثين دققوا النظر في الحديث الغرب أكثر، لكونه أقرب احتمالا للخطأ والطعن من غيره، وكان مظانا لرد الخبر، لا سيما إذا كان الحديث غريبا متنا وإسنادا.
تحذير المحدثين من غرائب الأحاديث
اشتد نكير المحدثين في التنفير من الإقبال على البحث عن الغريب مع الاعراض عن المشهور، بل تصرفاتهم من حيث العموم تدل على أنهم لا يصفون الحديث بالغريب دون التقييد إلا وفيه مقال.
يقول ابن رجب:” وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث ويذمون الغريب منه في الجملة: ومنه قول ابن المبارك: “العلم هو الذي يجنيك من ههنا ومن ههنا” يعني المشهور
عن مالك قال:” شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس”
عن إبراهيم قال:” كانوا يكرهون غريب الحديث، وغريب الكلام”[7]
وقد نقل الإمام أحمد عن مصطلح المحدثين القدامى لمعنى الغريب عندهم فقال:” إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث غريب أو فائدة، فاعلم أنه:
1- خطأ
2- أو دخل حديث في حديث
3- أو خطأ من المحدث
4- أو ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة، وسفيان.[8]
ثم جاءت نصيحة الإمام أحمد لطلاب الحديث تحذيرا من الاهتمام بالغريب وقال رحمه الله:” لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء”[9]
قال الحافظ ابن حجر:” أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة”[10]
وعلق ابن رجب على كلام الإمام أحمد فقال:”ومن جملة الغرائب المنكرة الأحاديث الشاذة المطرحة وهي نوعان ما هو شاذ الإسناد.. وما هو شاذ المتن: كالأحاديث التي صحت الأحاديث بخلافها، أو أجمعت أئمة العلماء على القول بغيرها”[11]
وإذا قال الترمذي غريب ولم يقرنه بصحة أو حسن فإنه يعني به تضعيف ذلك الحديث وذلك هو ما ذكره مغلطاي[12]
والخلاصة أن غالبه يشوبه النقد والخطأ عند المتقدمين من أهل العلم بالحديث، وقلما يسلم الغريب من التوهين، وفي كتاب الغرائب والأفراد للدارقطني دلائل واضحة على هذا الملحظ.
غريب الحديث
يعنى غريب متون وألفاظ الحديث، وهو فن خاص بالمتن دون السند ولا يختص بالمحدثين، وإنما يمتد ذيله إلى خارج الصنعة الحديثية ويدخل في إعمال الفكر والأفهام للمعاني الخافية من الألفاظ النبوية، ولما سئل الإمام أحمد عن حرف من غريب الحديث، فقال: سلوا أصحاب الغريب، فإنى أكره حتى أن أتكلم فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن فأخطئ.[13]
وقال شعبة في لفظه:” خذوها عن الأصمعي؛ فإنه أعلم بهذا منا”[14]
قال ابن الصلاح في تعريفه “وهو عبارة عما وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم، لقلة استعمالها”.[15]
سبب حدوث الغرابة في متن الحديث
من أهم أسباب وجود الغموض في متن الحديث ما يلي:
1-قلة دوران اللفظ على الألسنة وندرة استعماله كما سبق من كلام ابن الصلاح السابق، إضافة إلى اختلاف اللهجات العربية.
2-طبيعة حديث النبي صلى الله عليه وسلم وما خص به من مجامع الكلم، وقد يحمل اللفظ النبوي في طياته أكثر من معنى مما يفرض البحث عن تفسيره ومقاصده في لسان العرب
3- البعد الزمني عن عصر ينابيع لسان العرب مع اختلاط الألسنة العربية بغيرهم
أهمية معرفة غريب الحديث
تبرز أهمية علم غريب الحديث من كونه قناة من قنوات الفهم الصحيح لمراد الرسول عليه والصلاة والسلام، فحدوث الخلل في الفهم يسبب الخلل في تطبيق الشرع ولا بد.
قال ابن الصلاح مشيرا إلى أهميته : “هذا فن مهم، يقبح جهله بأهل الحديث خاصة، ثم بأهل العلم عامة، والخوض فيه ليس بالهين، والخائض فيه حقيق بالتحري جدير بالتوقي”[16]
ومما يدل على التوقى في هذا الباب ما جاء عن الأصمعى إمام اللغة أنه سئل عن تفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” والجار أولى بسقبه ” فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله ولكن العرب تزعم أن السقب: الَّلزيق”[17]
ولم يقف هذا الإمام هذا الموقف إلا ليخبر من باب النصيحة ويؤكد على أن اللغة العربية وحدها لا تكفِ لتفسير الحديث النبوي ، وإنما يجب لمن يخوض فيه أن يكون متضلعا في العربية وعلم الشرع معا.
وقد وضح السخاوي هذه النقطة بقوله:” ولا يجوز حمل الألفاظ الغريبة من الشارع على ما وجد فيه أصل كلام العرب (دائما)، بل لابد من تتبع كلام الشارع والمعرفة بأنه ليس مراد الشارع من هذه الألفاظ إلا ما فى لغة العرب، وأما إذا وجد فى كلام العرب قرائن بأن مراده من هذه الألفاظ معان اخترعها هو فيحمل عليها ولا يحمل على الموضوعات اللغوية، كما هو فى أكثر الألفاظ الواردة فى كلام الشارع، وهذا هو المسمَّى عند الأصوليين بالحقيقة الشرعية”[18]
وجل من وضع كتابا متخصصا من المتقدمين قد جمعوا بين علمى اللغة والشريعة، مثل: أبو عبيد القاسم بن سلام وإبراهيم الحربي وابن قتيبة والخطابي وغيرهم من أئمة الدين، فكتبهم هي المرجع الأساسي عند عامة العلماء.
ومن عجيب المحدثين في شروطهم للحديث المقبول: ضرورة ضبط الراوي للفظ الحديث الذى يرويه وعدم الجواز لروايته بالمعنى إلا أن يكون عالما بما يحيل معنى لغة الحديث.
والمقصود أن الحديث الغريب متعلق بالسند أصالة وهو داخل في تخصص المحدثين وخالص لهم، لأن عليهم عهدة الرواية صحة وضعفا، وأما غريب الحديث فمتعلق بفقه متن الحديث الصحيح، حيث يكون للمحدثين وأهل اللغة فيه النظر والبحث والتفقه في معانيه.
[1] رواه البخاري (1)
[2] المصدر السابق (7563)
[3] العلل 2/ 340
[4] رواه البخاري (5393)
[5] العلل 2/ 340
[6] المصدر السابق
[7] شرح علل الترمذي 2/621 – 622
[8] ينظر المصدر السابق 2/623
[9] المصدر السابق
[10] مقدمة فتح الباري ص392
[11] شرح علل الترمذي 2/623
[12] المرسل الخفي 1/ 312 نقلا عن كتاب الإعلام بسنته عليه السلام شرح سنن ابن ماجه
[13] معرفة أنواع علوم الحديث. ص:272
[14] فتح المغيث 2/32
[15] معرفة أنواع علوم الحديث. ص:272
[16] المصدر السابق
[17] المصدر السابق
[18] فتح المغيث 2/33
الكاتب لقمان عبد السلام