تعريف الحضارة الإسلامية – رسول
جاءنا الوحي بلغة الرسول صلى الله عليه وسلم كاملا غير منقوص لم يتغير أو يتبدل ، وهو بذلك يتميز عن كتب الديانات الأخرى التي تناولتها أيدي الكُتاب والمؤلفين والمترجمين بالحذف والإضافة والتعديل والتحريف. وتنفرد الحضارة الإسلامية بين كل الحضارات باستقاء نظمها وتشريعاتها و قوانينها من القرآن الكريم الذي سيظل منبع حيويتها و مصدر قوتها كلما أحست بحالجة أواستعصت عليها قضية أو مسألة من أمور الدنيا.
ثم جاءت السنة النبوية الشريفة لتشرحه وتوضح ما يصعب على المسلمين فهمه، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين وقاضيهم وقائدهم ومعلمهم ومربيهم، ولقد عَلم الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين أمور دينهم و دنياهم وكانت أقواله و أفعاله تطبيقًا عمليا.
والحضارة الإسلامية بنظمها التي نشأت و تطورت في كنفها لم تكن حضارة متعالية متغطرسة على غيرها من الحضارات حيث اقتبس المسلمون ما وجدوه ملائما ونافعًا لهم و طوروا ما عرفوه من نظم وأساليب حياتية وهم في ذلك الوقت أفسحوا المجال للجميع كي يسجلوا إضافاتهم في تلك الحضارة، كما أنهم أعطوا الفرصة لغير المسلمين في الإسهام معهم، وعملوا جنبًا إلى جنب مع علماء المسلمين و حظوا بالتقدير من حكام المسلمين وخلفائهم.
في هذه المقالة إضاءة موجزة على تعريف الحضارة الإسلامية.
الحضارة لغة
كلمة الحضارة في اللغة العربية مشتقة من فعل ” حضر” الذي هو نقيض غاب،ومنه المغيب والغيبة،ومشتقات هذه المادة هي : حضر،يحضر حضورا، وحضارة ، ويقال بحضرة الماء أي عنده،وحضرت الصلاة، والحضرة خلاف البادية، والحاضرالمقيم في المدن والقرى،والبادي المقيم بالبادية،والحضرة والحضر والحاضرة خلاف البادية، وهي المدن و القرى،سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار.
وقد استعملت الحضارة في مقابل البداوة في قول الشاعر القُطامي التغلبي:
فَمَنْ تكُنِ الحَضَارةُ أعجبتهُ** فأيَّ رجَالِ بادِيَةٍ تَرانَا
ويلاحظ أن كلمة الحضارة “civilisation” في اللغة الإنجليزية وفي اللغة الفرنسية واللغات الأوروبية، مشتقة من اللغة اللاتينية الأم و يظهر ذلك في ثلاث كلمات وهي : “Civitas” والتي تعني المدينة ، “Civis” ومعناها مساكن المدينة، الكلمةالثالثة “Civilis” ويراد بها مدني أو ساكن المدينة. وهذه المعاني كلها فيها دلالة على المدينة التي هي عكس البادية أو الريف.
الحضارة اصطلاحا
1- التعريف الاصطلاحي للحضارة عند ابن خلدون: عرّف ابن خلدون الحضارة بأنها :” أحوال عادية زائدة على الضروري من أحوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرفه وتفاوت الأمم” .
و يضيف ابن خلدون أن ” الحضارة إنما هي تفنن في الترف، وأحكام الصنائع المستعملة في وجوهه، ومذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش وسائر عوائد المنزل وأحواله” .
لقد بين ابن خلدون أن الحضارة لا تظهر إلا في المدن والقرى، و أنها غاية العمران تتصل بالتفنن في الترف، واستجادة أحواله، والكلف بالصنائع، وسائر الفنون، والحضارة عنده لا تظهر في البادية لاقتصار البدو على الضروري من العيش الذي يحفظ الحياة من غير المزيد.
2– التعريف الإصطلاحي للحضارة عند المفكرين المعاصرين:
أما بالنسبة لعصورنا الحديثة والمعاصرة فقد أطلق كثير من الباحثين مصطلح الحضارة على كل ما يتصل بالتقدم، والرقي الإنساني في مختلف الميادين كاللغة والأدب والفنون الجميلة، والصناعة،والتجارة،وغير ذلك من مظاهر النشاط الإنساني، ويُيسر السبيل إلى حياة إنسانية كريمة، ومن هذه التعاريف الكثيرة والمتنوعة نذكر ما يلي:
أ- تعريف السير إدوارد بيرنت تايلور Taylor: ” الحضارة ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعارف، والعقيدة، والفن، و قيم الأخلاق والقانون، والتقاليد، وكل القدرات، والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع”.
ب- تعريف و.ل.ديورانت: ” الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة هي : الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون “.
ج- تعريف رولان موسنييه Roland Mousnie : “الحضارة مجموعة من الخطط والنظم الجديرة بإشاعة النظام والسلام والسعادة، وبتطوير البشرية الفكري والأدبي” .
د- تعريف أبرت أشفيتسر Albert Schweitzer: “الحضارة في جوهرها أخلاقية ،وأن العناصرالجمالية، والتاريخية، والاتساع الرائع في معارفنا المادية وقوانا، كل هذا لايكون جوهر الحضارة، وإنما يتوقف هذا الجوهر على الاستعدادات العقلية عند الأفراد والأمم القاطنة في العالم ،وما عدا هذا فليس إلا ظروفا مصاحبة للحضارة لا شأن لها بجوهرها” .
و يُضيف أشفيتسر : ” بأن الأعمال المبتكرة، والفنية، والعقلية، والمادية لا تكشف عن آثارها الكاملة الحقيقية إلا إذا استندت الحضارة في بقائها ونمائها إلى استعداد نفسي يكون أخلاقيا حقا”. “إن الحضارة بكل بساطة، معناها بذل المجهود بوصفنا كائنات إنسانية، وأحوال العالم الواقعي”.
هـ – تعريف مالك بن نبي: الحضارة عند مالك بن نبي هي تركيب ثلاثة عناصر أو ناتج حضاري يساوي : ” إنسان + تراب + وقت” وعن بدايتها يقول أن الحضارة تبدأ بظهور فكرة دينية، ثم يبدأ أفولها بتغلب جاذبية الأرض عليها بعد أن تفقد الروح ثم فقد بعث الدين في المسلم ، العقل، ويعبر عن ذلك في المعادلة التالية: ” الانحطاط = انحطاط النفس + انحطاط الروح + انحطاط العقل ” أن عاد إلى حيث هو إنسانا روحا محركا للحضارة فلم يلبث بعد فترة قضاها في الخلافات والحروب بدائيا.
ونستنتج من تعاريف الحضارة ثلاثة اتجاهات هي:
الاتجاه الأول: يركز على الجانب المادي للإنسان والحياة.
الاتجاه الثاني: يركز على الجانب الروحي أو المعنوي للإنسان.
الاتجاه الثالث: وهو الذي يجمع بين الجانبيين المادي والمعنوي للإنسان والحياة.
وانطلاقا من هذه الاتجاهات، فإن الحضارة الإسلامية هي : كل إنتاج روحي ومادي يُنسب إلى الشعوب التي دخلت في الإسلام، ونشرت نمط الحياة الإسلامية، ونهضت بفطرة الإنسان روحيا وماديا، ودينا ودنيا، وعقلا وباطنا، وقلبا وضميرا، وكل هذا في توزان فذ واتساق لا نظير له.
ملخص من كتاب محاضرات في مقياس مدخل إلى الحضارة الإسلامية – جامعة وهران
الكاتب إسلام أون لاين